الفرقة والتفرق
السؤال: فضيلة الشيخ: نرجو منكم أن تتكلموا عن موضوع التفرق فإنه مما عمت به البلوى في هذه الأيام، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الفرقة عذاب، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جعلها عذاباً من عنده: { صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة فأطال فيها، فتأملها صحابته رضي الله عنهم، فقالوا: يا رسول الله! رأيناك تصلي صلاة رغبة ورهبة، فلم ذلك؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله سبحانه قد أنزل علي ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ))[الأنعام:65] }.
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية، صلَّى هذه الصلاة، ورغب إلى ربه سبحانه، وتضرع إليه أن يحفظ أمته من هذه المصائب ومن العذاب أن يأتيها من فوقها، أو أن تغتال من تحتها بالخسف، كما حصل لبعض الأمم، أو أن يلبسها شيعاً ويذيق بعضها بأس بعض، فاستجاب له الله تبارك وتعالى، وقال: {أعطاني ربي اثنتين ومنعني الثالثة -وفي رواية أنها اثنتين- قال: هذه أهون أو هاتان أهون}، فاستجاب له الله سبحانه ألَّا يهلك هذه الأمة بعذاب من فوقها، واستجاب له ألا يعذب هذه الأمة بعذاب من تحتها.
أما الفرقة والتشيع والتفرق وإذاقة بعضهم بأس بعض، فمنعها الله سبحانه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد صح في الحديث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذا وقع السيف في أمتي فلن يرفع إلى يوم القيامة}، فوقع السيف، ووقعت الفتنة، ووقع التفرق في أمور العقيدة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة}، وكذلك في الأمور العملية وفي الأحكام فالفرقة عذاب.
وهي من جانب آخر سنة من سنن الله الكونية التي يجب أن نتلافاها وألَّا نتجاهلها، فالواجب علينا أن نتجنب وأن نتلافى الفرقة ما استطعنا، لأنها عذاب، والله تعالى يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103]، وقال أيضاً: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ))[آل عمران:105]، وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ))[الأنعام:159] وحتى لو كانت الفرقة في ذات البين على الدنيا، فقد سماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحالقة، قال: {لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين}، ففساد ذات البين والخلاف والنزاع كم أضاع على الأمة الإسلامية أشياء كثيرة، وقد ورد في ليلة القدر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريها، وأراد أن يخبر بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم فتلاحى رجلان -اختصم رجلان- فأنسيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الخصومة والفرقة والملاحاه والجدل لا تنتج إلا الشر، ولكن ما دام الخلاف واقعاً، والاجتهادات مختلفة، فما العمل؟
أولاً: يجب أن نكون مع الحق، ولا نتنازل عن الحق مهما خالفه الناس، قال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))[الأنعام:116]، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ))[الصافات:71].
يجب أن نكون مع الحق ولو قل أهله.
ثانياً: أن نحرص على توحيد الناس على الحق؛ وذلك بدعوتهم إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أرأيتم لو أن الناس اجتمعوا على غير القرآن والسنة، هل نفرح بهذا الاجتماع، ونقول: كلمة واحدة اجتمعت، أم نكره هذه الاجتماع؟
لا شك أننا نكره هذا الاجتماع، لأننا نريد أن يكون الاجتماع على الكتاب والسنة، فإن كان على غير الكتاب والسنة، فلا خير في هذا الاجتماع أبداً، ولن يكون اجتماعاً مرحوماً ولا معصوماً أبداً، بل يجب أن يكون الاجتماع على كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرعاً وواقعاً، فالأمة لا تجتمع إلا على الكتاب والسنة.
ولو أنك دعوت الناس إلى أي واحد غير محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أكثر من النصف سوف يرفضونك، ولا يمكن أن يوافقوك، لكن لو دعوتهم إلى الله وإلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لوجدت أن كل مخلص وصادق قد استجاب لك بإذن الله، أما من أعمى الله بصيرته، وضرب على قلبه حب الخلاف، فهذا لا نفع فيه.
فنرجو من الإخوة الكرام أن يتحابوا وأن يتوادوا وأن يجعلوا كل الأمور الخلافية موضعاً للبحث العلمي والمناصحة، وأن يعلم كل منهم أنه ينبغي له أن يقبل أخاه على ما فيه من خطأ وعلى ما فيه من عيب، كما قيل:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه على شعث أي الرجال المهذبُ
لابد في أي إنسان من عيب، حتى الزوجة، وحتى الأبناء، وحتى الجيران والأرحام والمدرسين، لا بد أن في كل إنسان جانباً مما لا يرضيك ولا يعجبك، كطبع معين لا يعجبك، لكن فيه خير غير ذلك، فخذ الخير منه لتجتمع القلوب وتأتلف -إن شاء الله- على الحق والخير.